مقالات وتحليلات

دهاه والسيد عبد الله ولد اباه الحلقة السادسة (تتزامن مع الذكرى التاسعة لرحيل الوالد دهاه)

 

هلا ريم الإخباري: قبل انقضاء العام 1951 قررت الإدارة الاستعمارية تحويل مركز دائرة اترارزة من بتلميت إلى مدينة روصو الحدودية، وبما أن افتتاح المكتب الجديد يحتاج الكثير من النشاط والحيوية والقدرة على تذليل الصعاب اقترح المسؤولون عن قرارا التحويل الوالد دهاه ليقوم بمهمة الترجمة، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
نزل الوالد دهاه في روصو عند رجل يدعى انجور صار كان هو محط رحال القادمين من منطقة الضفة ، وبعد فترة يسيرة من مقامه في روصو وخلال الجلسات المسائية لضيوف السيد صار، جاء حديث عن قرية تسمى دكًُانه واتفق جماعة من الحاضرين أنها ستكون وجهتهم خلال عطلة الأسبوع.
كان إسم هذه القرية يعني كثيرا للوالد فقد حدثته أخته الديشة منت محم إبان زيارتها له في تجكجة عن وجود ضريح والدهما محم بن دهاه في مكان قريب من دكًانة، فقرر مرافقة الجماعة لزيارة والده وتحديد المكان الذي يوجد فيه ضريحه.
‏كان لهذه الزيارة ما بعدها، ومثلت بداية مرحلة جديدة في مسار رسمته القدرة ليسير كما شاء الله الذي لاراد لفضله ولا معقب لحكمه، الفعال لما يريد، النافذ أمره وقضاؤه على العبيد.
‏إذا اصطفاك لأمر هيأتك له … يد العناية حتى تبلغ الأملا
‏وصل الوالد إلى دكًانه في عطلة الأسبوع ووجد دون كبير عناء من يعرف خبر الوالد ومكان دفنه فليس يُجهل قدرُ مثله ممن سخر وقته وجهده للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وعبد ربه حتى أتاه اليقين.
‏توجه الوالد ورفقاء له من دكًانة إلى المكان الذي سيعرف مستقبلا بمدينة الخير في رحلة استغرقت أزيد من وقتها المعتاد بسبب الانتشار الواسع لغابات كثيفة من مختلف الأشجار زادت من وعورة الطريق. وعند وصولهم بدأ الوالد تأمل المكان واستحضار مشاهد غيبية لوالده تكررت عليه في مراحل سابقة من حياته – لعلنا نتعرض لبعضها في كتابات لاحقة- ؛ رغم أنه توفي عنه وهو صغير لم يتجاوز عمره أربعة أعوام.
‏ووسط غمرة ذلك الشعور والتجاذب بين خواطر مواصلة المسيرة المهنية وما توفره من امتيازات، وبين سلوك طريق التبتل والاقبال على الله والانقطاع عن الدنيا وزخرفها قرر الوالد وهو في ذلك الحال أن يعمر المكان ويسهل طريق الوصول إليه مهما كلف ذلك.
‏وفور العودة إلى روصو كتب استقالته وقدمها إلى رئيسه في العمل الذي استغربها أشد الاستغراب وقال له :”كيف تتخذ قرارا مثل هذا وأنت ما تزال في ريعان شبابك وقد ترقيت في السلم الوظيفي إلى أعلى مستوى يناسب سنك وخبرتك؟ على كل حال سأحتفظ باستقالتك شهرا حتى تتأكد من قرارك فإن رجعت فذاك، وإن عزمت سأحيلها إلى الحاكم العام للبت في شأنها”، وفور انقضاء المهلة راجع الوالد الإدارة بشأن إمضاء استقالته فأحيلت عن طريق الاستعجال إلى الحاكم العام فقبلها دون تردد، وأمر بتنفيذها ومنح الحقوق المترتبة عليها للمعني.
‏أخذ الوالد حقوقه ويمم شطر وجهه نحو مدينة الخير مخلفا وراءه كل مشتهى وأن إلى ربك المنتهى.
‏بدأت الحياة في مدينة ككل البدايات صعبة فالمكان عبارة عن غابة مأهولة بأنواع الحيوانات المفترسة ولا يهتدي في طرقه وفجاجه إلا أبناء تلك البقعة الذين ولدوا تحت ظلال أشجارها الشائكة وغاباتها المظلمة. وبعد أن استقر الحال بالوالد وسُرِيَ عنه ما كان يعاني من برحاء التأسيس قرر أن يذهب إلى خاله ووالده أحمدو بن حرمة وهو إذ ذاك
‏موجود في سينلوي، فلما جاءه وقص عليه القصص، نظر إليه نظرة الوالد المشفق على ابنه وسأله باستنكار وبنبرة لا تخلو من عتاب عن سبب هذا القرار المفاجئ؟! ، عتاب شق على الوالد كثيرا لتحققه أن ما يغضب الزعيم يغضب دون شك أخته الوالدة عيشة منت حرمة التي تغضب بغضبه وترضى برضاه.
وسط هذا الجو المشحون وصل إلى الوالد خبر وجود السيد عبد الله بن اباه في سينلوي، فقصده للسلام عليه، وأخبره خبره وحكى له موجدة الوالد الزعيم والوالدة عيشة عليه، فتعهد له بالحديث إليهما في المسألة، فتيقن الوالد من رضاهما لاطلاعه على مكانة السيد عندهما، وهو ما تحقق فعلا.
‏ أمر السيد عبد الله الوالد دهاه بعدم التراجع عن الطريق التي هو عليها، وحثه على التمسك بقرار تأسيس قرية عند والده ففرح بذلك فرحا عظيما، وتحقق أنه على الحق المبين فمثل السيد عبد الله لا يقر على باطل ولا يأمر إلا بالخير.
‏طلب السيد من الوالد دهاه أن يقضي معه المقيل في اليوم الموالي في بيت عند والدنا وشيخنا العلامة محمد المختار بن اباه – أطال الله بقاءه – وأثناء مجلس المقيل فكر الوالد في إقبال الناس عليه بمكانه الجديد وطلب بعضهم منه تلقين الطريقة التجانية وهو لما يؤذن في ذلك بعد، فجاء الجواب من شيخه سريعا وواضحا في إجازة مطلقة كتبها بخطه الجميل وبين فيها بلفظه الجزيل شرائط وآداب التلقين وجعلها في جيب الوالد دون أن يشعره بذلك أويحدثه عنه بشيء.
‏حواجبنا تقضي الحوائج بيننا …. ونحن سكوت والهوى يتكلم
‏بعد هذا اللقاء العجيب كسابقيه عاد الوالد دهاه إلى مدينة الخير وقلبه مطمئن برضا والديه عنه وبضمان شيخه.
‏لاحظت الوالدة خدي سه على الثوب الذي سافر به الوالد بقعة من زيت السيارات فطلبت منه أن يعطيه لها لتنظفه، فاستخرجت من جيبه ورقة الإجازة وأعادتها إلى الوالد فاكتمل بوجودها عنده ما كان ينقصه من نجاح مهمته في الظاهر والباطن.
‏يتواصل..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى